21.
1- ولعل أسوأ وأفظع ما في المدنية الحديثة اكتشافها القنبلة الذرية التي خلعت قلوب الناس وسببت لهم كثيرًا من الاضطراب. قد يكون تحليل الذرة نعمة كبرى لو استُعمل في خير الناس، كمعالجة الأمراض وتسيير السفن والقطارات، ولكن مع الأسف لتسابق الدول في التسليح كان أول استخدام لتحليل الذرة تركيب القنابل منها. وقد تسابق في ذلك المعسكران، سبقت إليه أمريكا فأسرعت إلى اكتشافه روسيا. وربما كان ذلك في خير العالم؛ إذ لو امتلكه معسكر واحد لاستبد بالعالم استبدادًا لا حد له، ومن الأسف أيضًا أنهم تقدموا في هذا المضمار خطوة أخرى؛ فاكتشفت القنبلة الهيدروجينية بعد القنبلة الذرية وحازها أيضًا المعسكران، وهم يلوحون باكتشاف قنبلة أعظم.
2-كان الناس في القرن التاسع عشر يؤمنون بتقدم العالم المستمر، ويعتقدون في المستقبل اعتقادًا حازمًا، فلما جاء القرن العشرون شك الناس في كل شيء، وذهب الإيمان بكل شيء. كل نظرية علمية وجد من العلماء من يشك فيها، وساد التشاؤم بين الناس. فلماذا يئسوا ولماذا تشاءموا، مع أنهم أحرزوا كثيرًا من النصر في الميادين المختلفة؟ لقد فعلوا كما فعل ميداس، في الميثولوجي اليونانية، إذ فرح أول الأمر بأن عنده من القدرة ما يجعل كل شيء يمسه ذهبًا، فلما هم بالأكل مس الرغيف فتحول ذهبًا.
3- ومن أكبر ما مني به العالم في المدنية الحديثة خلق ما يسمى بالوطنية، لا بمعنى الدفاع عن الوطن، ولكن بمعنى التعصب للوطن، والسعي لإعلاء شأنه وتفوقه على الأمم الأخرى، ولو شاركتها في اللغة والدين، والسعي لتوسيع رقعتها وإخضاع الأمم الأخرى لعظمتها. وهذه الوطنية بهذا المعنى ما هي في الواقع إلا ركاب الاستعمار والحروب في سبيل السيطرة الاقتصادية على العالم، وحسبك دليلًا على هذا أن الحربين العالميتين الأخيرتين كان من أهم أسبابهما رغبة الأمم الغربية في الاستيلاء على آسيا وأفريقيا واستغلال مواردهما وفتح أسواق جديدة لتجارتها.
4- وبعد فقد أكثرت من ذكر معايب المدنية الحديثة حتى كدت أنسى عيوب الشرقيين، ولست أسعى في ذلك إلى التهليل للشرق، وإلا كنت كالفقير يتضور جوعًا، فإذا حكيت له متاعب بعض الأغنياء حمد الله على فقره، وإنما ذكرت ما لنا وما علينا وما لهم وما عليهم حتى نعلم أين نحن وأين يجب أن نكون؟ ثم لنبحث بعد ذلك عن الطريق الذي سينقلنا مما نحن فيه إلى ما يجب أن نكون عليه.
ما المقصود بكلمة (التشاؤم) التي وردت بالفقرة الثانية ؟